عاصفة الحزم.. دوافع وتداعيات التحرك السعودي

0

مرت العلاقات السعودية اليمنية خلال القرن الماضي بتعرجات وانعطافات، تشكل من خلالها تاريخ اليمن المعاصر بشكل ٍأو بآخر، فمنذ الحقبة الإمامية في اليمن مروراً بالعهد الجمهوري في جميع مراحله، واكبت المملكة واقع هذا البلد وتفاعلت مع تركيبته المعقدة وفقاً لمقتضيات الأمن القومي السعودي والخليجي.
وتعاملت السعودية مع التدخلات الإقليمية والدولية في مراحل متعددة من تاريخ اليمن إبان مرحلة الاستقطابات والتجذابات التي مرت بها المنطقة العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وبالشكل الذي يحفظ للملكة مصالحها الحيوية وأمنها القومي.
الإسهاب في تحليل العلاقات بين السعودية واليمن وتشعباتها ومراحل تطورها عبر العقود الماضية، لا يقود بالضرورة إلى فهم مرتكزات تلك العلاقة والأسس التي قامت عليها، ولفهم الواقع على الأرض، ولمعرفة الاعتبارات التي تستند عليها المملكة في رسم سياستها تجاه اليمن، لا بد من الوقوف طويلاً عند الخريطة الجيوسياسية للبلدين وللمنطقة، والتعرف على النسيج القبلي المتداخل بينهما.
- مواجهة مفتوحة بين إيران والسعودية
سعت إيران منذ سنوات طويلة إلى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، وعملت على استغلال الثغرات داخل المملكة لإشاعة الفوضى واختلاق المشاكل الأمنية هنا وهناك، وذلك بسبب تصدي دول الخليج للمشروع الإيراني في تصدير ثورتهم، ودعم الخليج للعراق خلال حربه مع إيران.
ويعود تاريخ تلك المحاولات إلى عام 1987 حينما حركت إيران الحجاج الإيرانيين خلال موسم الحج للقيام بأعمال شغب، ورفع شعارات الثورة الإيرانية وصور الخميني في قلب مكة المكرمة، حيث اشتبكوا بشكل مباشر مع رجال الأمن السعودي بعد فشل محاولات تفريقهم، الأمر الذي أدى إلى سقوط المئات من القتلى في صفوف الحجاج ورجال الأمن السعودي، وهو ما دفع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران حتى عام 1991.
ومع دخول منطقة الشرق الأوسط في حالة من الفوضى والصراعات المسلحة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، عملت إيران على تغيير قواعد الاشتباك مع الدول العربية والخليجية، حيث جعلت من العراق ولبنان والبحرين ثم سوريا واليمن لاحقاً، ساحة مواجهة مفتوحة مع السعودية ودول المنطقة، وعملت على المساس بالنسيج الاجتماعي والمذهبي لدول الخليج.
راقبت السعودية سقوط بغداد بيد المليشيات الشيعية المدعومة من إيران وبقية المدن العراقية، وفرض ذراع إيران في لبنان المتمثل بحزب الله، ما كوّن واقعاً سياسياً جديداً بعد السيطرة على العاصمة بيروت بقوة السلاح.
وسعت المملكة إلى احتواء التمدد الإيراني في المنطقة والتصدي لتداعياته، وانحصرت تحركاتها على الجانب السياسي والدبلوماسي، وانخرطت مع المعسكر الغربي في محاولة منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لضمان عدم تهديد إيران لدول المنطقة، والدخول معها في سباق تسلح نووي لا يحمد عقباه.
- المواجهات العسكرية المباشرة
وجدت إيران في الحملة التي شنها الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح عام 2009 على جماعة الحوثي في صعدة، فرصة ًمواتية لجر السعودية إلى مواجهة عسكرية مع الحوثيين، بدعوى مساندتها لنظام صالح في قمعهم، وهو ما تم بالفعل.
ردّ مسلحو الحوثي على تلك الحملة باحتلال جبل الدخان داخل الأراضي السعودية وقتل عدد من الجنود السعوديين، حيث جاء رد المملكة حينها بحملة جوية وبرية استمرت لنحو شهرين متتاليين، خلفت المئات من القتلى على الجانبين، وانتهت بانسحاب الحوثيين تحت وطأة الضربات السعودية من النقاط الحدودية التي احتلتها داخل أراضي المملكة.
خلال تلك الحملة، ظهرت أولى مؤشرات الدعم الإيراني لجماعة الحوثي، فبين تسليح وتدريب، رجحت الولايات المتحدة الرواية السعودية اليمنية حول وجود مثل هذا الدعم للمتمردين الحوثيين، وتفاوتت التقديرات في ذلك الحين حول حجم ذلك الدعم.
وفي جميع الأحوال، شكل النزاع المسلح بين الحوثيين والقوات السعودية، نقطة تحول خطيرة في تاريخ الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران من خلال ذراعها الجديد في اليمن.
- الخطر الإيراني المباشر
لم يقتصر الخطر الإيراني على إثارة التوترات الطائفية، والتغول في الواقع السياسي والأمني في البلدان التي وقعت تحت تأثير نفوذها المباشر، كالعراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، بل إن الخطر طال أيضاً وبشكل مباشر المصالح الحيوية والاقتصادية والتركيبة المذهبية لدول الخليج.
ومع اشتداد العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي، وتلويح الولايات المتحدة بضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية في حال لزم الأمر، هددت طهران عام 2013 بشكل صريح بأنها سترد باستهداف القواعد الأمريكية في الدول المجاورة، وستعمل على فرض حصار بحري على صادرات النفط الخليجي وإغلاق مضيق هرمز.
ولضمان استمرار تدفق الصادرات النفطية من دول الخليج العربي عبر منافذ برية وبحرية أخرى، بدأت تلك الدول في البحث عن البدائل والوسائل الكفيلة بضمان استمرار انسيابية الصادرات النفطية في مختلف الظروف، حيث شرعت كل من الإمارات والسعودية بإنشاء وتفعيل خطوط أنابيب نفطية، تتجاوز من خلالها معضلة مضيق هرمز.
تعتمد السعودية على ميناء ينبع الواقع على شواطئ البحر الأحمر في تصدير نحو 65 بالمئة من صادرتها النفطية البالغة نحو 10 ملايين برميل يومياً، الأمر الذي دفع إيران إلى إيجاد نوع من السيطرة غير المباشرة على مضيق باب المندب عبر الحوثيين، وحرمان السعودية وبقية دول الخليج المصدرة للنفط والغاز نحو أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهو ما استوجب تحرك المملكة عسكرياً لحماية مصالحها الحيوية.
على الأرض وخلال السنوات الماضية، صعّد الحوثيون من نبرتهم الطائفية، وعملوا على استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في المناطق المتاخمة للحدود السعودية وبقية المدن اليمنية، حيث شهدت المنطقة اشتباكات مسلحة مع الجماعات السلفية الرافضة للتغول الشيعي في صعدة وما حولها، وبدأ الحوثيون في حشد القبائل على أسس طائفية لم يعهدها اليمنيون من قبل.
ومع دخول علي عبد الله صالح في تحالف مع الحوثيين، وتسليمه اليمن ومفاصل الدولة وأسلحة الجيش ومقدراته لحلفائه الجدد، اتجه الحوثيون إلى خلق زعامات قبلية جديدة، استعرضت قوتها على الحدود مع السعودية، وهو ما يعني إشعال حرب قبلية بين البلدين بدوافع قبلية وطائفية، حيث تنبهت المملكة لخطر تفجّر الأوضاع على حدودها الجنوبية، وعملت على القضاء على هذا المخطط من خلال تحركها العسكري في عاصفة الحزم.
يضاف إلى ما سبق، التهديدات التي أطلقها الحوثيون بإعادة احتلال مدن جيزان وعسير ونجران على الجانب السعودي، والتي أصبحت جزءاً من أراضي المملكة عقب اتفاقية الطائف عام 1934، وهو ما اعتبرته السعودية تهديداً مباشراً لأمنها القومي ولسيادة أراضيها، حيث أتبع الحوثيون تهديداتهم بمناورات عسكرية وحشود قبلية على الحدود مع المملكة، ونشرت مليشات علي عبد الله صالح الشعبية ومجموعات الحوثيين، مفارز عسكرية على طول الحدود.
بنت إيران حساباتها على أن المملكة العربية السعودية باتت عاجزة عن ضبط حدودها مع اليمن إثر سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة ومعسكرات الجيش، وظهر لها أنها باتت قادرة على وضع السعودية بين فكي كماشة بين حدودها الشمالية والجنوبية، فإيران باتت على تماس مباشر على حدود المملكة مع العراق بعد إتمام مليشياتها الشيعية وحرسها الثوري السيطرة على المدن العراقية بحجة محاربة تنظيم "الدولة"، واحتفلت مبكراً بسقوط صنعاء العاصمة العربية الرابعة بعد بغداد ودمشق وبيروت في دائرة نفوذها المباشر.
إلا أن التحرك العسكري للمملكة، عصف بالحسابات الإيرانية وشكل لصانعي القرار في طهران عنصر مفاجأة، وبدا ذلك واضحاً خلال الأيام الأولى من انطلاق عاصفة الحزم، من خلال التخبط في تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
كما وجهت السعودية رسالة قوية مفادها، بأنها حسمت أمرها في وضع حد للتمدد الإيراني في دول المنطقة، وأن لديها خيارات كثيرة لحماية أمنها القومي وأمن دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى المستوى الدولي، أثبتت السعودية قدرتها على التحرك بشكل منفرد، وبالشكل الذي يحفظ لها مصالحها الحيوية وأمنها وسلامة أراضيها، ونفذ الملك سلمان بن عبد العزيز وعوده بإعادة هيكلة سياسية المملكة الخارجية.
وظهرت تلك التغييرات جلية من خلال التقارب السعودي مع تركيا، ونجاحها في كسب دعم إقليمي ودولي، كما تجلت تلك التغييرات بالحصول على دعم باكستاني كامل للتحالف الذي تقوده المملكة في حملتها العسكرية، وإعادة السودان إلى محيطها العربي، وسيحسب للمملكة إعادة إحياء الأمن القومي العربي والخليجي من جديد.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق